يُعتقد أن الفارق بين الأسر السوية والأسر النرجسية يكمن في وجود الحب والدعم. ولكن الحقيقة أعمق من ذلك. إن الفرق يكمن في “تعطيل النمو النفسي” الذي يقع على أبناء الأسر النرجسية. إن الطفل الذي ينشأ في أسرة سوية يمر بمراحل نمو نفسي وجسدي طبيعية، ولكن الطفل الذي ينشأ في أسرة نرجسية، تتوقف رحلة نموه النفسي.
إن النرجسيون لا يرون أبناءهم ككائنات منفصلة، بل يرونهم كملكية خاصة، كأدوات لإشباع احتياجاتهم. هذا التصور المشوه يؤدي إلى سلسلة من الإساءات التي تعيق التطور النفسي للطفل، وتتركه في حالة من الارتباك والضعف. في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذا الظلم، وسنكشف عن الأسباب التي تؤدي إلى تعطيل النمو النفسي لأبناء النرجسيين، وكيف يمكن أن يساعدك فهم هذا الأمر في رحلتك نحو الشفاء والتحرر.
1. تعطيل النمو النفسي: المراحل المفقودة
النمو ليس جسديًا فقط. فكل مرحلة عمرية يمر بها الإنسان يقابلها مرحلة نمو نفسي. الطفل يحتاج إلى الأمان، والمراهق يحتاج إلى الاستقلالية، والشاب يحتاج إلى تحقيق الذات. ولكن في الأسر النرجسية، هذه الاحتياجات لا تُشبع.
- تثبيت على المرحلة: عندما لا يحصل الطفل على الإشباع النفسي في مرحلة معينة، فإنه يبقى “مثبتًا” عليها. إنه لا يستطيع أن يكبر نفسيًا، ويحمل معه احتياجاته الطفولية إلى مرحلة البلوغ.
- النمو المتسارع: في بعض الحالات، يُجبر الطفل على النمو بشكل متسارع. يُطلب منه أن يتحمل مسؤوليات الكبار، مما يسرق منه طفولته، ويجعله يفقد الفرصة للتطور بشكل طبيعي.
هذا التعطيل يترك في نفسية الأبناء فجوات عميقة، ويجعلهم يشعرون بأنهم مختلفون عن أقرانهم، وأنهم متأخرون عنهم.
2. أسباب التعطيل: من السيطرة إلى الأنانية
- السيطرة: النرجسيون يسعون إلى السيطرة على أبنائهم. إنهم يريدون أن يكون الأبناء امتدادًا لهم، ولهذا السبب، فإنهم لا يسمحون لهم بالاختلاف، أو بالنمو بشكل مستقل.
- الأنانية: النرجسي لا يرى احتياجات أبنائه. إنه يرى احتياجاته الخاصة فقط. إذا كان إشباع احتياجات أبنائه يتعارض مع راحته، فإنه يضحي بهم.
- العنف الأسري: العنف الأسري والمشكلات الأسرية تؤثر بشكل كبير على التحصيل الدراسي للأبناء. إن الأبناء الذين يعيشون في بيئة غير آمنة لا يستطيعون التركيز على دراستهم، مما يؤدي إلى تأخرهم في التحصيل العلمي.
3. التشويه النفسي: كيف يتم إفساد الأبناء؟
- سرقة النجاح: النرجسيون ينسبون نجاح أبنائهم لأنفسهم. إنهم لا يشجعونهم، بل يتباهون بهم، ويجعلون الأبناء يشعرون بأنهم لا قيمة لهم.
- تجاهل المشكلات: النرجسيون يتجاهلون مشكلات أبنائهم. لا يتعاطفون معهم، ولا يمدون لهم يد المساعدة.
- الحب المشروط: الحب في الأسر النرجسية مشروط بالطاعة. إذا كان الابن يطيع والديه، فإنه يحصل على الحب. وإذا لم يطع، فإنه يُحرم من الحب.
4. حلول التعافي: من الضحية إلى المحارب
إن رحلة التعافي من هذا التعطيل تبدأ بالوعي.
- الاعتراف بالظلم: يجب أن تعترف بأنك كنت ضحية. هذا ليس عيبًا، بل هو خطوة نحو الشفاء.
- فهم السيكولوجية: افهم سيكولوجية النرجسي. اعرف أن سلوكهم ليس شخصيًا، بل هو نتاج لاضطراب.
- لا تقارن نفسك: لا تقارن نفسك بأقرانك. أنت لست متأخرًا، بل أنت محارب.
- العمل على الذات: اعمل على تطوير ذاتك. ركز على نقاط ضعفك التي أفسدوها.
- التفاؤل والإيمان: لا تيأس من رحمة الله. ثق بأن الله قادر على أن يعوضك عن كل شيء.
5. الحصاد الإيجابي: الدروس التي لا تقدر بثمن
على الرغم من كل الألم، فإن تجربة النرجسية تمنحك دروسًا لا تُقدر بثمن:
- الصبر والتكيف: لقد تعلمت الصبر والتكيف مع ظروف صعبة.
- الوعي: لقد أصبحت أكثر وعيًا بآليات التلاعب، مما يجعلك أقوى في علاقاتك المستقبلية.
- النجاح المتأخر: قد يكون نجاحك متأخرًا، ولكنه سيكون نابعًا من قوة داخلية، وليس من ظروف خارجية.
في الختام، إن الأبناء في الأسر النرجسية ليسوا ضعفاء. إنهم محاربون، يُجبرون على خوض معركة لم يختاروها. ولكن من خلال الوعي، والإيمان، والعمل على الذات، يمكنهم أن يخرجوا من هذه المعركة أقوى، وأكثر حكمة، وأكثر استعدادًا لبناء حياة جديدة.
لقراءة مقالاتنا الاسبوعية
