الوجع الحقيقي ليس عندما تختلف مع شخص تحبه، ولا حتى عندما يبتعد عنك. الوجع الحقيقي هو عندما تحتاجه بجانبك وتجده يهرب. عندما تمرض وتضعف، عندما تكون في أمس الحاجة لوجوده، تجده يختفي. والغريب أن هذا الاختفاء ليس مجرد غياب، بل قد يكون ضغطًا إضافيًا، أو إهمالًا مقصودًا.
الأكثر غرابة هو أنه بمجرد أن تقف على قدميك، وتبدأ في استعادة نفسك وعافيتك النفسية والجسدية، وتعود الابتسامة إلى وجهك، تجده يرجع، وكأنه لم يختف أبدًا. يرجع ليطبطب عليك ويطلب منك المزيد، أو يهاجمك خوفًا من هجومك. إن هذا التكرار ليس مصادفة، بل هو نمط نفسي مدمر. في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذه الظاهرة، وسنكشف عن الأسباب التي تجعل النرجسي يختفي في أوقات شدتك، ولماذا يرجع عندما تصبح قويًا.
1. الاشمئزاز من الضعف البشري: الهروب من الذات
قد تبدو هذه الكلمة قاسية، ولكنها حقيقة. النرجسي لا يستطيع أن يتحمل رؤية الضعف البشري في الآخرين. إنه يكره رؤيتك تبكي، أو تتألم، أو تحتاج إلى مساعدة. لماذا؟ ليس لأنه قاسٍ، بل لأن هذا الضعف يذكره بضعفه الداخلي الذي يحاول إخفاءه.
- تجنب الاشمئزاز: هناك آلية نفسية تُسمى “تجنب الاشمئزاز”، والتي تجعل النرجسي يبتعد عن أي شيء يثير فيه مشاعر سلبية. وعندما يرى شخصًا ضعيفًا أو مريضًا، فإن هذا يثير فيه شعورًا بالاشمئزاز من الضعف نفسه، مما يجعله يهرب.
- تهديد وهم القوة: النرجسي يبني صورته على وهم القوة والكمال. عندما يرى شخصًا ضعيفًا، فإن هذا يهدد هذه الصورة. إنه يرى في ضعفك تذكيرًا بعجزه، مما يجعله ينسحب ويختفي.
2. نمط التعلق التجنبي: الخوف من المسؤولية العاطفية
النرجسي غالبًا ما يكون لديه نمط تعلق “تجنبي”، وهو ما يجعله يهرب من أي احتياج عاطفي حقيقي. إن العلاقة النرجسية لا تُبنى على الحب، بل على السيطرة والتملك. وعندما يرى النرجسي أنك في حاجة إليه، فإن هذا يثير في داخله خوفًا من المسؤولية العاطفية التي لا يمكنه تحملها.
- الانسحاب: عندما تحزن أو تتألم، يهرب النرجسي. إنه ينسحب عاطفيًا، أو يختفي تمامًا، لأنه لا يريد أن يكون مسؤولًا عن ألمك.
- العدوان البارد: قد يمارس النرجسي “العدوان البارد”، وهو أن يقلل من وجعك، أو يهاجمك، أو يقول لك إنك تبالغ. هذا السلوك ليس قلة اهتمام، بل هو خوف من أن يندمج في ألمك.
3. عدم الفائدة: العلاقة كصفقة
النرجسي يرى الناس كأدوات. إنهم موجودون لخدمته، ولإشباع احتياجاته، ولتزويده بالوقود النرجسي. وعندما تكون في أزمة، فإنك تصبح “غير مفيد”.
- لا يوجد وقود: عندما تكون ضعيفًا أو مريضًا، فإنك لا تستطيع أن تمنحه الاهتمام، أو المديح، أو الوقود الذي يحتاجه.
- لا توجد خدمة: أنت لا تستطيع أن تخدمه، أو أن تلبي احتياجاته.
هذا يجعلك “بلا قيمة” في نظره، مما يبرر له الاختفاء. ولكن بمجرد أن تقف على قدميك، وتصبح قويًا، وتصبح مصدرًا للوقود مرة أخرى، فإنه يرجع.
4. اختلاف الواقع: أزمة أم فرصة؟
النرجسيون يعيشون في واقع مختلف عن واقعنا. بالنسبة لك، فإن أزمتك هي فوضى، وتتطلب حلًا فوريًا. ولكن بالنسبة للنرجسي، فإن أزمتك ليست أكثر من مشكلة صغيرة يمكن التغلب عليها، أو حتى فرصة لصالحه.
- نقص التعاطف: يفتقر النرجسي إلى التعاطف، ولهذا السبب، فإنه لا يرى حجم أزمتك. إنه لا يرى ألمك، ولا يدرك أنك في حاجة ماسة للمساعدة.
- الاستغلال: قد يرى النرجسي في أزمتك فرصة لاستغلالك. قد يرفض مساعدتك في البداية، ليجعلك أكثر ضعفًا، ثم يعود ليقدم لك المساعدة بشروط.
في الختام، إن فهم هذه الأسباب لا يبرر سلوك النرجسي. ولكنه يساعدك على التحرر من لوم الذات. إن اختفاءه وقت وجعك ليس خطأك، بل هو طبيعته. ورجوعه وقت قوتك ليس حبًا، بل هو استغلال. أنت تستحق شخصًا يكون بجانبك في لحظة ضعفك قبل لحظة قوتك.
لقراءة مقالاتنا الاسبوعية
