فخ “دم من حجر”: لماذا لا يمكنك الحصول على التعاطف من النرجسي؟

فخ “دم من حجر”: لماذا لا يمكنك الحصول على التعاطف من النرجسي؟

تُشبه العلاقات النرجسية محاولة “الحصول على دم من حجر”. إنها استعارة دقيقة لتجربة مؤلمة ومُحبطة يمر بها الناجون، حيث يبذلون قصارى جهدهم للحصول على القبول، أو الاحترام، أو التعاطف من شخص لا يملك القدرة على منحهم إياه. إن هذا السعي هو فخ، لأنه يعتمد على “وهم” أن النرجسي يمكن أن يتغير إذا كان الطرف الآخر صبورًا، أو عطوفًا، أو ذكيًا بما يكفي.

هذا الوهم هو أساس المعاناة في العلاقات النرجسية. إنه يجعلك تعتقد أنك إذا شرحت الأمور بوضوح كافٍ، فإن النرجسي سيستيقظ فجأة، وسيعتذر، وسيعترف بالخطأ الذي ارتكبه. ولكن هذا “الاستيقاظ” لا يحدث أبدًا، لأن النرجسي يفتقر إلى القدرة على التأمل الذاتي، والتعاطف، والمسؤولية. في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذا الفخ، وسنكشف عن الأسباب التي تجعلنا نقع فيه، وكيف يمكن أن يساعدنا “القبول الجذري” على التحرر منه.


وهم “الوعي النرجسي”: لماذا نتمسك بالأمل؟

إننا نتمسك بالأمل لأننا نؤمن بأن كل إنسان لديه جانب جيد. إننا نأمل أن النرجسي سيأتي في يوم من الأيام ويعتذر، أو يعترف بالضرر الذي سببه، أو يظهر بعض التعاطف. هذا الأمل يغذينا، ويمنحنا شعورًا بالسيطرة على العلاقة. ولكن هذا الأمل ليس مبنيًا على الواقع. إن النرجسي لا يرى خطأه. إنه يرى أن العالم بأسره يقع في خطأ، وأنه هو الضحية.

هذا الوهم يكون أكثر قوة عندما يكون النرجسي هو أحد الوالدين. إن الأطفال الذين يكبرون مع والدين نرجسيين يقضون حياتهم كلها وهم يحاولون “الحصول على دم من حجر”. إنهم يلومون أنفسهم عندما لا يستطيعون الحصول على ما يحتاجون إليه، ويعودون مرارًا وتكرارًا إلى والديهم على أمل أنهم سيحصلون على الحب والقبول أخيرًا. هذا السلوك يتأصل في شخصيتهم، ويؤثر على علاقاتهم المستقبلية.

إن “اختبار القبول الجذري” هو لحظة الحقيقة. يحدث هذا الاختبار عندما يمر شيء كبير في حياتك، مثل مرض خطير. في هذه اللحظة، تأمل أن النرجسي سيظهر أخيرًا التعاطف الذي كنت تنتظره. ولكن غالبًا ما يحدث العكس. في هذه اللحظة، تدرك أنك لا تستطيع الحصول على “دم من حجر”، وأن الأمل كان وهمًا.


القبول الجذري: مفتاح التحرر

إن الذروة الحقيقية للشفاء هي عندما تتوقف عن محاولة “الحصول على دم من حجر”. هذا لا يعني بالضرورة أن تنهي العلاقة، بل يعني أنك تغير سلوكك وتوقعاتك.

كيف يتحقق القبول الجذري؟

  • التوقف عن الاعتماد: توقف عن الاعتماد على النرجسي في أي شيء. لا تعتمد عليه للحصول على الدعم العاطفي، أو المساعدة المادية، أو حتى المحادثة.
  • الحفاظ على السطحية: لا تشارك النرجسي أخبارك الشخصية أو مشاكلك. حافظ على المحادثة سطحية.
  • وجود خطة بديلة: تأكد دائمًا من أن لديك خطة بديلة. إذا كنت تحتاج إلى مساعدة، فلا تطلبها من النرجسي أولًا.
  • فهم المحادثة أحادية الجانب: عندما يتحدث النرجسي، استمع إليه كأنك تستمع إلى “بودكاست ممل”. لا تتوقع محادثة ثنائية.

إن هذا السلوك ليس تلاعبًا، بل هو وسيلة للبقاء. إنه يسمح لك برؤية العلاقة بوضوح، دون أن تغطى بضباب الأوهام.


التحرر من الألم: عندما يصبح الاستسلام قوة

عندما تتوقف عن محاولة الحصول على “دم من حجر”، فإنك تقلل من خيبة الأمل والأذى. إنك لا تتوقع شيئًا، وبالتالي لا يمكن أن تصاب بخيبة أمل. إن هذا القبول يمكن أن يجلب معه حزنًا، ولكن هذا الحزن هو علامة على أنك تتحرر. إنك تحزن على العلاقة التي كان من الممكن أن تكون، ولكنك في نفس الوقت تمنح نفسك فرصة للشفاء.

في النهاية، لا يمكنك الحصول على التناغم، أو التعاطف، أو الاحترام من شخص نرجسي. إن محاولة القيام بذلك هي مضيعة للعمر. إن القبول الجذري ليس نهاية الرحلة، بل هو بدايتها. إنه يحررك من الماضي، ويمنحك الأدوات اللازمة لبناء مستقبل أكثر صحة وسعادة.

شارك هذه المقالة

لقراءة مقالاتنا الاسبوعية