🚨 الانفجار الجسدي للخوف: تحليل ظاهرة نوبات الهلع (Panic Attacks) عند ضحية النرجسي (دراسة متعمقة في النرجسية بالعربي)
عندما يصرخ الجسد بما لا يستطيع العقل قوله
تُعدّ نوبات الهلع (Panic Attacks) من أكثر الأعراض الجسدية والنفسية رعباً وإرباكاً التي تظهر على ضحية النرجسي (Victim of Narcissism). إنها ليست مجرد قلق حاد؛ بل هي انفجار بيولوجي للخوف، حيث يقرر الجهاز العصبي أن التهديد وشيك، مُطلقاً استجابة “القتال أو الهروب” (Fight or Flight) بأقصى قوتها، حتى في غياب خطر خارجي واضح. بالنسبة لـ ضحية النرجسي، فإن هذه النوبات هي دليل قاطع على أن الجسد لم ينسَ البيئة السامة وغير المتوقعة التي عاش فيها مع النرجسي (Narcissist).
المحور الأول: الجذور البيولوجية لنوبة الهلع النرجسية – الذاكرة العصبية للإساءة
لا تنشأ نوبات الهلع عند ضحية النرجسي من فراغ، بل هي نتيجة لـ التثبيت العصبي لنمط الإجهاد المزمن.
١. محور HPA والتنشيط المزمن:
- التهديد المتقطع: الإساءة النرجسية تتميز بأنها متقطعة وغير متوقعة (فترة هدوء ثم نوبة غضب مفاجئة). هذا النمط هو الأسوأ على الإطلاق لـ محور الإجهاد (HPA Axis). فهو لا يسمح للجسم بالدخول في حالة الراحة والاسترخاء (Parasympathetic System).
- إغراق الكيمياء: يُطلق محور HPA هرمونات الإجهاد (الكورتيزول والأدرينالين) باستمرار. ومع تكرار الإساءة، يُصبح الجهاز العصبي مُفرط الاستجابة، حيث يستجيب لأي محفز داخلي أو خارجي صغير (صوت عالٍ، رسالة نصية، تذكر موقف) بنفس القوة التي كان يستجيب بها لنوبة غضب النرجسي.
- الاستجابة الخاطئة: تُعدّ نوبة الهلع هي الذروة لهذه الاستجابة المفرطة؛ فالجسم يظن أنه يتعرض لتهديد يهدد الحياة (مثل مطاردة حيوان مفترس)، بينما الخطر الفعلي هو ذاكرة أو فكرة أو محفز مرتبط بالصدمة.
٢. فرط اليقظة كـ “نظام إنذار” مُعطَّل:
- الآلية: اضطرت الضحية إلى تطوير فرط اليقظة (Hypervigilance) لتوقع مزاج النرجسي وخطواته القادمة. هذا يعني أن جزءاً من الدماغ يظل دائماً في حالة مسح للبيئة (خارجياً) وللجسد (داخلياً).
- الانفجار الداخلي: عندما يكتشف فرط اليقظة تغييراً داخلياً طبيعياً (مثل تسارع طفيف في ضربات القلب بعد صعود الدرج، أو شعور بالدوار بسبب الجوع)، يفسره الدماغ الصدْمي فوراً على أنه “إنذار خطر”، مما يؤدي إلى إطلاق كامل لنوبة الهلع.
٣. الذاكرة الجسدية (Somatic Memory):
- في سياق C-PTSD الناتج عن النرجسية، يتم تخزين الصدمة في الجسد وليس فقط في الذاكرة السردية. نوبة الهلع هي طريقة الجسد لـ “إعادة تمثيل” (Re-enacting) الصدمة، حيث تشعر الضحية بنفس الأعراض الجسدية والعجز التي شعرت بها أثناء الإساءة الحقيقية.
المحور الثاني: تكتيكات النرجسي ومحفزات الهلع
هناك ارتباط مباشر بين أساليب النرجسي التلاعبية وما يُطلق نوبة الهلع لدى الضحية لاحقاً.
١. الغاسلايتينغ (Gaslighting) وفقدان نقطة الارتكاز:
- التأثير: الغاسلايتينغ يُعلم الضحية أن الواقع غير موثوق، مما يخلق “فقدان الثقة الأساسية” في الإدراك الذاتي.
- الصلة بالهلع: نوبة الهلع هي الشعور بـ “فقدان السيطرة” التام. هذا الشعور يُنشط مباشرة جرح الغاسلايتينغ: “أنا لا أستطيع الثقة في ما أشعر به، إذن أنا أفقد عقلي/أموت.”
٢. التعزيز المتقطع (Intermittent Reinforcement) وعدم الاستقرار:
- التأثير: العلاقة المتقطعة (حب/كراهية، اهتمام/إهمال) تُبقي الجهاز العصبي في حالة ترقب وقلق دائمين، وتُنشط تذبذب الدوبامين.
- الصلة بالهلع: عندما ينهار هذا النظام الهش، تظهر نوبات الهلع كإشارة أخيرة من الجسم للمطالبة بـ “اليقين أو الأمان”. أي موقف غامض أو غير متوقع (موعد لم يتم تأكيده، انتظار مكالمة) يمكن أن يُحفز النوبة لأنه يعيد تفعيل نمط النرجسي المتقطع.
٣. التحويم (Hoovering) والذعر الفوري:
- الآلية: أي محاولة من النرجسي للعودة أو الاتصال (رسالة، اتصال، رؤية عابرة) تُعدّ محفزاً صريحاً وكارثياً.
- الصلة بالهلع: هذه اللحظات تكسر الابتعاد التام وتُعيد الضحية إلى “اليوم الأول” للصدمة. يمكن أن تؤدي رؤية صورة النرجسي أو سماع اسمه إلى نوبة هلع فورية لأنها تُعيد للجهاز العصبي رسالة: “التهديد قد عاد، وعليك الهرب الآن!”
المحور الثالث: نوبات الهلع وصدمة C-PTSD
تُعتبر نوبات الهلع عند ضحية النرجسي مؤشراً قوياً على تطور صدمة ما بعد الإجهاد المعقدة (C-PTSD).
١. الهلع كاستجابة “إعادة التجربة” (Re-experiencing):
- التمييز: نوبة الهلع في هذا السياق ليست مجرد “قلق عام”. إنها غالباً ما تكون مصحوبة بأعراض “إعادة التجربة” (Intrusive Symptoms) لـ C-PTSD.
- الأعراض المشتركة: قد تشعر الضحية خلال النوبة بأنها “تتقلص” أو “تعود بالزمن” إلى لحظة الإساءة. وقد تترافق النوبة مع انفصال عن الواقع (Dissociation)، حيث تشعر الضحية بالانفصال عن جسدها أو عن البيئة المحيطة، كآلية دفاعية يائسة للهروب من المشاعر الجسدية المفرطة.
٢. الخوف من الخوف (Fear of Fear):
- التأثير المضاعف: نتيجة لتكرار نوبات الهلع المفاجئة، تبدأ ضحية النرجسي في تطوير الخوف من النوبة القادمة. هذا الخوف بحد ذاته يُغذي فرط اليقظة ويُبقي الجهاز العصبي متوتراً.
- التجنب: هذا يؤدي إلى تجنب الأماكن العامة (Agoraphobia) أو الأماكن التي حدثت فيها النوبة سابقاً، مما يزيد من عزلة الضحية ويُعطل عملية التعافي.
٣. الارتباك والإنكار:
- “هل أنا مجنون؟”: بسبب الغاسلايتينغ السابق، غالباً ما تُشكك الضحية في صحة نوبات الهلع، وتلوم نفسها: “لماذا أنا ضعيف هكذا؟”، مما يزيد من اللغة الداخلية المُعادية ويُفاقم الاكتئاب المرتبط بالصدمة.
المحور الرابع: استراتيجيات تهدئة النظام العصبي والتعافي
يتطلب التعامل مع نوبات الهلع الناتجة عن النرجسية نهجاً يركز على إعادة الأمان إلى الجسد.
١. الابتعاد التام كـ “جرعة أولى” للتهدئة:
- الشرط الأساسي: لا يمكن معالجة نوبات الهلع بشكل دائم طالما أن التهديد (متمثلاً في النرجسي) لا يزال موجوداً. الابتعاد التام (No Contact) هو خطوة حيوية لتمكين الجهاز العصبي من الخروج من وضع الطوارئ.
٢. تقنيات التثبيت الجسدي (Grounding Techniques):
- الهدف: إعادة العقل الواعي إلى اللحظة الحالية والبيئة الآمنة، وكسر حلقة “القتال أو الهروب”.
- قاعدة ٥-٤-٣-٢-١: التركيز على الحواس الخمس لـ “التثبيت” في الواقع:
- ٥ أشياء يمكنك رؤيتها.
- ٤ أشياء يمكنك الشعور بها (ملمس القماش، الأرض تحت قدمك).
- ٣ أشياء يمكنك سماعها.
- ٢ رائحة يمكنك شمها.
- ١ شيء يمكنك تذوقه.
٣. التنفس الحجابي والتحكم في ثاني أكسيد الكربون:
- نوبة الهلع تسبب التنفس السريع (Hyperventilation)، مما يقلل ثاني أكسيد الكربون ويزيد الأعراض.
- التنفس ٤-٧-٨: الشهيق بهدوء لعد ٤، حبس النفس لعد ٧، الزفير لعد ٨. هذا التمرين يُنشط الجهاز العصبي اللاإرادي (Parasympathetic) المسؤول عن التهدئة.
٤. المعالجة القائمة على الجسد (Somatic Therapy):
- EMDR: فعال في مساعدة الدماغ على معالجة ذكريات الصدمة، مما يقلل من حساسية المحفزات التي تطلق نوبات الهلع.
- اليوغا والتأمل الواعي: لمساعدة الضحية على إعادة بناء علاقة آمنة مع جسدها، وتحديد المشاعر الجسدية دون الشعور بالهلع.
المحور الخامس: تحدي النرجسية بالعربي والتحرر من الهلع الاجتماعي
تزيد العوامل الاجتماعية في السياق العربي من صعوبة التعامل مع نوبات الهلع:
١. الخوف من الحكم الاجتماعي والهلع:
- في سياق مجتمعي يركز على السمعة و”ضبط النفس”، تشعر ضحية النرجسي بخجل مضاعف عند حدوث نوبة هلع في مكان عام، مما يُعزز القلق الاجتماعي ويُصعّب طلب المساعدة.
٢. كسر الوصمة:
- يجب على الضحية أن تدرك أن نوبة الهلع هي وصمة شرف؛ إنها دليل على أن الجهاز العصبي عمل جاهداً لحمايتها في ظل ظروف قاسية. الاعتراف بأن هذه النوبات بيولوجية وليست ضعفاً هو الخطوة الأولى للتحرر.
الخلاصة: استعادة الأمان في اللحظة الحالية
تُعدّ نوبات الهلع (Panic Attacks) تجسيداً درامياً ومؤلماً للتدمير المنهجي الذي أحدثه النرجسي في نظام الأمان الداخلي لـ الضحية. إنها دليل على أن الجسد لا يزال يعيش في الماضي، في بيئة التهديد المستمر.
التحرر من نوبات الهلع ليس مسألة قوة إرادة؛ بل هو عملية إعادة برمجة للجهاز العصبي ليعرف أن “التهديد قد انتهى”. باستعادة التحكم في التنفس، وتطبيق تقنيات التثبيت، ومعالجة الصدمة من خلال الدعم المتخصص، يمكن لـ ضحية النرجسي أن تُعلم جسدها أن الأمان ممكن في اللحظة الحالية، وتستعيد حياتها من قبضة الخوف والشك الذي زرعته النرجسية بالعربي.
لقراءة مقالاتنا الاسبوعية

اترك تعليقاً