يُعد الانفصال عن شخص نرجسي خطوة صعبة ومؤلمة. غالبًا ما يخرج الضحايا من العلاقة جسديًا، ولكنهم يبقون فيها ذهنيًا وعاطفيًا، يتملكهم الأمل في أن يتغير النرجسي أو يندم على أفعاله. يمر هؤلاء الأشخاص بمراحل التعافي الخمس: الإنكار، والغضب، والمساومة، والحزن، ثم القبول. لكن للأسف، يضعف الكثيرون في المراحل الأولى ويعودون إلى دوامة العلاقة السامة.
إذا كنت تفكر في العودة إلى النرجسي، أو إذا كان النرجسي يحاول إقناعك بالعودة، فهذا المقال سيشرح لك بالتفصيل ما الذي سيحدث، بناءً على قصص وتجارب حقيقية لضحايا مروا بنفس الموقف.
البداية: لماذا تعود؟
العودة إلى النرجسي ليست قرارًا عقلانيًا، بل هي نتيجة لمزيج من العوامل النفسية والتلاعب الذي تعرضت له:
- الشك في الذات: بعد الانفصال، قد تشك في صحة قرارك، وتتساءل: “هل أنا من كنت على خطأ؟” النرجسي يعزز هذا الشعور بالذنب، مما يجعلك تبرر أفعاله وتقتنع بأنك تستحق هذه المعاملة.
- الأمل الكاذب: النرجسي ماهر في التظاهر بالتغير. سيقدم لك وعودًا كاذبة، ويستغل نقاط ضعفك، ويعزف على وتر المشاعر التي تفتقدها، مما يجعلك تعتقد أنه قد تغير بالفعل.
- التلاعب العاطفي: قد يستخدم النرجسي أساليب التلاعب العاطفي لإقناعك بالعودة، مثل “لا أحد سيحبك مثلي”، أو “أنت السبب في كل ما حدث”. هذه الأساليب تضعف مقاومتك وتجعلك تقتنع بأنه لا يوجد خيار آخر.
المرحلة الأولى: فترة “شهر العسل” النرجسي
بمجرد عودتك، سيدخلك النرجسي في مرحلة جديدة من “شهر العسل”. هذه المرحلة قد تستمر من بضعة أيام إلى عدة أسابيع، أو حتى أشهر. سيظهر النرجسي فيها بمظهر الشخص المثالي الذي كنت تحلم به:
- الوداعة والاهتمام: سيتصرف بلطف مبالغ فيه، وسيهتم بتفاصيل حياتك، وسيبذل جهدًا لإسعادك.
- وعود وردية: سيقدم وعودًا براقة بالتغير، وسيتظاهر بأنه نادم على الماضي.
- تجاهل الماضي: سيحاول مسح الماضي الأليم من ذاكرتك، وسيقول لك: “فلننسَ الماضي ونبدأ من جديد”.
خلال هذه الفترة، ستشعر وكأنك في حلم. ستقتنع بأن النرجسي قد تغير فعلًا، وستنسى كل الآلام التي مررت بها. لكن هذا كله مجرد تمثيل، وسينتهي بمجرد أن يشعر النرجسي بأنه قد استعاد السيطرة عليك.
المرحلة الثانية: العودة إلى دوامة الإساءة والانتقام
بعد أن يضمن النرجسي عودتك ويشبع من الوقود النرجسي الذي تقدمه له، سيبدأ بالانتقام. نعم، سينتقم منك لأنك تركته وجعلته يشعر بالضعف.
- التخلي المتكرر: قد يبتعد النرجسي عنك مرة أخرى، أو يمارس عليك الصمت العقابي، أو يغيب عن حياتك ليعاقبك.
- التقليل من قيمتك: سيبدأ في انتقادك، وتوجيه الإهانات لك، وسيذكرك بأنك كنت السبب في كل ما حدث.
- التلاعب بالذكريات: سيستخدم ذكريات “شهر العسل” ليقول لك: “لقد كنت جيدًا معك، ولكنك لا تستحق ذلك”.
في هذه المرحلة، ستكون في حيرة من أمرك. ستحاول إرضاءه وتبرير أفعالك، وستنسى كل ما تعلمته عن النرجسية. ستشعر بالخيبة والذل، ولكنك ستستمر في المحاولة، ظنًا منك أنك تستطيع إصلاح العلاقة.
المرحلة الثالثة: الحزن والاكتئاب ولوم الذات
بعد فترة من محاولاتك الفاشلة لإصلاح العلاقة، ستدخل في مرحلة أعمق من الحزن والاكتئاب.
- الخجل من نفسك: ستخجل من نفسك ومن قرارك بالعودة. ستشعر بالعار من مواجهة الأصدقاء أو العائلة الذين نصحوك بالابتعاد.
- الشعور بالذنب: ستلوم نفسك على الضعف الذي أظهرته، وستشعر أنك خدعت نفسك.
- التردد في طلب المساعدة: قد تتردد في طلب المساعدة من مختص نفسي مرة أخرى، خوفًا من أن يتم لومك.
هذه المرحلة هي الأكثر خطورة، لأنها قد تؤدي إلى تدهور حالتك النفسية بشكل كبير. لكن كن مطمئنًا، المختص الجيد لن يلومك، بل سيساعدك على تجاوز هذه المرحلة واستعادة قوتك.
النهاية: 3 احتمالات لمستقبلك
بعد أن تمر بكل هذه المراحل، ستكون أمام ثلاثة احتمالات:
- النجاة: تدرك أن العودة كانت خطأ فادحًا، وتقرر الخروج من العلاقة نهائيًا وبشكل حاسم، وتستغل هذه التجربة كدرس قاسي لعدم العودة مرة أخرى.
- الاستمرار: تستمر في العلاقة، وتُقنع نفسك بأن النرجسي سيتغير يومًا ما، أو أنك تستطيع إصلاحه، وتستسلم للحياة في دوامة من الألم.
- الاستسلام: تستمر في العلاقة خجلًا وخوفًا من نظرة الناس، وتشعر بالخزي من نفسك، وتفقد الأمل في أن تستطيع النجاة يومًا ما.
العودة إلى النرجسي هي رحلة مؤلمة بلا نهاية سعيدة. لا يوجد شخص عاد إلى النرجسي ونجت علاقته. في كل مرة تعود، فإنك لا تتخلى عن النرجسي فقط، بل تتخلى عن نفسك، وتخسر جزءًا من كرامتك وثقتك بنفسك.
إن قرار العودة هو قرارك، ولكن تذكر أن الألم الناتج عن الانفصال أفضل بكثير من العيش في دوامة من الأمل الكاذب، والخيبة، والانتقام.
لقراءة مقالاتنا الاسبوعية
