بين المرض والتصنع: حيلة النرجسي الخفي في التلاعب العاطفي

يُعرف النرجسي الخفي بأنه سيد التلاعب، ولكن إحدى أخطر حيله وأكثرها إرباكًا هي “تصنع المرض”. قد يبدو هذا السلوك غريبًا للوهلة الأولى، فمن يود أن يتصنع الوهن والضعف؟ ولكن في عالم النرجسي، حيث تُقاس القيمة بالاهتمام والسيطرة، يصبح المرض أداة فعّالة لتحقيق أهدافه. هذا التصنع ليس مجرد كذبة، بل هو حاجز يحمي النرجسي من المسؤولية، ويجعله يتغذى على تعاطف الآخرين دون أن يبذل أي جهد.

في هذا المقال، سنغوص في الأسباب النفسية وراء تصنع النرجسي الخفي للمرض، وكيف يمكن أن يؤثر هذا السلوك على ضحاياه. سنكشف عن الفارق بين نظرة الإنسان السوي للمرض ونظرة النرجسي، وسنقدم نصائح عملية للتعامل مع هذه الحيلة بذكاء وحكمة.


نظرة مختلفة: المرض في عيون النرجسي

بينما يكره الإنسان السوي المرض لأنه يجعله غير قادر على خدمة نفسه والآخرين، فإن النرجسي يكرهه لأسباب مختلفة تمامًا. الإنسان السوي يرى في المرض ضعفًا يمنعه من العمل، والعطاء، والاعتماد على نفسه. إنه يخشى أن يصبح عبئًا على من حوله، ويفقد استقلاليته.

أما النرجسي، فيرى في المرض ضعفًا يمنعه من السيطرة. إنه لا يكره المرض لأنه يسبب له الوهن، بل يكرهه لأنه يفقده القدرة على التحكم في الآخرين، والافتراء عليهم، وإجبارهم على فعل ما يريد. إن مرضه يعني أنه لا يستطيع أن يغضب كما يحب، أو يمارس سلطته المعتادة. هذا هو الفارق الجوهري بين النظرتين.


تصنع المرض: سلاح الضحية

النرجسي الخفي يعشق دور الضحية، لأنه يمنحه الاهتمام والتعاطف والمدح الذي يتوق إليه. إنه يصطنع المرض لتحقيق هذه الأهداف، ولكن هناك جانب آخر أكثر خبثًا لهذا السلوك.

  1. المرض كحاجز من المسؤولية: يستخدم النرجسي الخفي المرض كستارة تحميه من المساءلة. عندما يتصنع المرض، فإنه يوحي لك بأنك لا تستطيع أن تسأله عن أفعاله السيئة. “حرام أن أسأله وهو في موقف ضعف”. هذا يجعله يفلت من العقاب، ويجعلك تحمل مشاعر الذنب بدلًا منه.
  2. الاستحواذ بدون جهد: حيلة الضعف مقابل الاستحواذ هي إحدى أقوى حيل النرجسي الخفي. إنه يوهمك بأنه ضعيف، فينمي فيك شعورًا بأنك المنقذ. هذا يجعلك تبقى بجانبه، وتخدمه، وتهتم به، دون أن يضطر هو إلى بذل أي جهد. لقد استحوذ على مشاعرك وعواطفك، وجعلك بجواره بدون أي مجهود يذكر. هذا الاستغلال هو ما يجعل النرجسي الخفي أكثر خبثًا من النرجسي الظاهر.
  3. حماية الغرور: النرجسي لا يستطيع أن يواجه حقيقته الهشة. عندما يفشل، أو يرتكب خطأ، فإنه يصطنع المرض لحماية غروره. هذا يجعله يهرب من حقيقة أن أفعاله السيئة هي سبب مشاكله.

فخ “ربط الحب بالأداء”: الإفلاس العاطفي والمادي

النرجسي الخفي يربط حبه بك بأدائك. حبه زائف، ويمنحه لك فقط عندما تقدم له خدمة، أو تعطيه شيئًا. هذا العطاء لا يشبع أبداً، لأنه يستمد من “ثقب أسود” بداخل النرجسي لا يمكن ملؤه. وعندما تتعب من العطاء وتتوقف، فإنهم يتهمونك بأنك لم تحبهم.

هذا الفخ يوقع فيه الأشخاص الذين تعلموا الحب المشروط منذ الصغر، أو الذين يعانون من تدني احترام الذات. هؤلاء الأشخاص يعتقدون أن قيمتهم مرتبطة بما يقدمونه، مما يجعلهم عرضة للاستنزاف العاطفي والمادي.


هل هو مريض حقًا؟ علامات التمييز

كيف يمكن أن نميز بين المريض الحقيقي والمريض المتصنع؟

  • المريض الحقيقي: يظهر عليه المرض، ويأخذ أدويته، ويذهب إلى الأطباء.
  • المريض المتصنع: يهرب من الذهاب إلى الأطباء، ولا يريد أن يريك روشتة علاجه، ويستخدم مرضه لجذب الاهتمام والسيطرة.

إذا كان النرجسي يتصنع المرض، فإنه غالبًا ما يكذب بشأن تشخيصه، ويضخم أعراضه، ويستخدم مرضه كوسيلة للابتزاز العاطفي.


التصدي لحيلة النرجسي: كيف تحمي نفسك؟

  1. لا تلوم نفسك: لست مسؤولًا عن حمايته أو شفائه.
  2. لا تتحمل فوق طاقتك: تذكر قول الله تعالى: “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”.
  3. تجنب المواجهة المباشرة: لا تدخل في جدالات لا نهاية لها.
  4. ركز على نفسك: استثمر طاقتك في صحتك النفسية والجسدية.
  5. اطلب المساعدة: لا تخف من طلب المساعدة من معالج نفسي.

في الختام، إن تصنع النرجسي للمرض هو دليل على ضعفه، وخوفه، وعدم قدرته على التعامل مع الواقع. إن فهم هذه الحيلة هو الخطوة الأولى نحو التحرر.

شارك هذه المقالة

لقراءة مقالاتنا الاسبوعية