“لست كافية”: كيف تدمر الأم النرجسية هوية ابنتها؟

تتساءل الكثير من الفتيات: “أحب أمي جدًا، ولكنني دائمًا أشعر أنها غير راضية عني. دائمًا أشعر أن أختي أفضل مني، وأكثر طاعة، وأكثر محبة. دائمًا أشعر أنني أقل جمالًا، وأقل طيبة. ودائمًا أراجع نفسي في كل نفس أتنفسه، وأخشى أن أغضبها أو أن تُسيء فهمي.” هذا الشعور ليس مجرد إحساس عابر، بل هو نتيجة لـ “إلغاء مستمر للهوية النفسية والعاطفية” يمارسه النرجسيون، وخاصة الأمهات النرجسيات، على أبنائهم.

إن الأم النرجسية، التي لا تظهر بوضوح أنها ضد ابنتها، تزرع في نفسها معتقدات هدامة أشد خطورة من الإساءة الصريحة. إنها لا تضرب، ولا تصرخ دائمًا، ولكنها تمارس عنفًا نفسيًا خفيًا يدمر الروح ويترك ندوبًا لا تُرى. هذا المقال سيكشف عن هذه المعتقدات المدمرة، وسيوضح كيف أن فهمها هو الخطوة الأولى نحو الشفاء.


1. معتقد “لست كافية”: الخلل الداخلي الذي يُزرع في النفس

أول معتقد هدام يُزرع في نفس البنت هو “أنتِ لستِ كافية”. هذا المعتقد يتكون من خلال:

  • الانتقاد الدائم: الأم النرجسية تنتقد ابنتها باستمرار. تنتقد شكلها، وجنسها، وشخصيتها. هذا الانتقاد المزدوج هو ضربة قوية لثقة البنت بنفسها.
  • المقارنة المستمرة: البنت في هذه البيئة تُقارن دائمًا بأختها، أو بصديقتها، أو بأي شخص آخر تراه الأم أفضل منها. هذا يزرع في نفسها شعورًا بأنها دائمًا في منافسة، وأنها لن تكون كافية أبدًا.
  • الانتقاد العاطفي: الأم النرجسية تنتقد مشاعر ابنتها. إذا ضحكت، تُلام على صوتها. وإذا بكت، تُتهم بالدراما والنكد. هذا يزرع في نفسها ما يُعرف بـ “مخطط الخلل الداخلي” (Schema of Defectiveness)، وهو شعور عميق بأنها معيبة من الأساس.

2. الحرمان العاطفي: جوع لا ينتهي إلى الحب

في بيوت الأمهات النرجسيات، لا تشعر البنت بأنها محبوبة لأنها تستحق الحب. بل تشعر أنها يجب أن تكسبه. إنها بيئة تُولد فيها “مخطط الحرمان العاطفي” (Schema of Emotional Deprivation)، وهو شعور بأنها لا أحد سيطبطب عليها أو يحتضنها.

  • الحب المشروط: البنت تُحب عندما تقدم شيئًا، عندما تذاكر، أو عندما تكون مطيعة.
  • الغياب العاطفي: الأم النرجسية لا تكون حاضرة عاطفيًا. تتجاهل مشاعر ابنتها، ولا تستمع إليها، مما يترك في نفسها فراغًا عميقًا.

هذا الحرمان يسبب “التعلق القلق” (Anxious Attachment)، وهو تعلق مرضي يجعل البنت تشعر بأنها يجب أن تقدم شيئًا للحصول على الحب، وأنها إذا لم تفعل، فستُهجر.


3. الاغتراب عن الذات: فقدان الهوية الشخصية

النتيجة النهائية لكل هذا العنف النفسي هي “الاغتراب عن الذات” (Alienation from Self). تشعر البنت بأنها منفصلة عن نفسها، وكأنها تشاهد حياتها من بعيد.

  • انعدام الملكية: لا تشعر البنت بأنها تمتلك نفسها أو حياتها. لا تشعر بأن ممتلكاتها، أو بيتها، أو سيارتها، ملك لها.
  • التشتت وفقدان المعنى: تفقد البنت الثقة في حدسها، وفي مشاعرها، وتصبح مشتتة، وغير قادرة على اتخاذ القرارات.
  • التبعية العاطفية: هذا الاغتراب يوصل البنت إلى “التبعية”، حيث تشعر أنها غير قادرة على العيش أو مواجهة العالم دون مرجعية خارجية.

4. تكرار النمط: الوقوع في فخ الحب النرجسي

الابنة التي تربت في حضن أم نرجسية غالبًا ما تقع في حب رجل نرجسي. لماذا؟ لأنها اعتادت على هذا النمط.

  • التعلق القلق: تعلقها القلق يدفعها إلى البحث عن شخص يمكن أن يملأ الفراغ الذي خلفته أمها.
  • التبعية: اعتمادها العاطفي يدفعها إلى البحث عن شخص يمنحها الشعور بالأمان، حتى لو كان هذا الأمان زائفًا.

من الضحية إلى المحاربة: طريق الشفاء

الخروج من هذه الدائرة ليس سهلًا، ولكنه ممكن. الخطوة الأولى هي الوعي. يجب أن تدركي أن ما مررت به لم يكن تربية، بل إساءة.

  • تغيير الحوار الداخلي: يجب أن تبدئي في بناء صوت داخلي جديد، صوت رحيم، وداعم، وواقعي.
  • الأمومة الذاتية: يجب أن تتعلمي كيف تكونين أمًا لنفسك. أن تمنحي نفسكِ الحب، والاحتواء، والحنان الذي افتقدتيه.
  • الرحمة الذاتية: يجب أن تمارسي “الرحمة الذاتية”. توقفي عن لوم نفسكِ، وابدئي في مسامحة نفسكِ.
  • بناء الهوية: ابدئي في بناء هويتكِ الخاصة. اكتشفي ما تحبين، وما تكرهين.

في الختام، إن النجاة من أم نرجسية ليست انتصارًا نفسيًا فحسب، بل هي إعادة ولاء من بنت كانت تحاول كسب حضن، إلى بنت عرفت كيف تحضن نفسها بنفسها.

شارك هذه المقالة

لقراءة مقالاتنا الاسبوعية