في دهاليز العلاقات السامة، تكمن معاناة صامتة لا يراها أحد. ولكن عندما يقرر الضحية أن يخرج من هذه الدائرة، يجد نفسه في مواجهة أخرى، لا تقل قسوة: مواجهة المجتمع. يواجه الضحية كلمات قاسية، واتهامات جارحة، تزيد من ألمه.
قد تسمعين عبارات مثل: “أنتِ في نعمة، لماذا لا تقدرينها؟” أو “زوجكِ يوفر لكِ كل شيء، لماذا تشتكين؟” أو “الرجل لا يُعاير”. هذه الكلمات، التي تأتي غالبًا من أشخاص يجهلون طبيعة العلاقات النرجسية، لا تزيد الضحية إلا ألمًا، وتزرع في نفسها الشك في مشاعرها، وفي إدراكها للواقع.
في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذه الظاهرة، وسنكشف عن الأسباب التي تدفع الناس لقول هذه العبارات، وسنقدم لكِ أدوات عملية للرد عليها، ولحماية نفسكِ من تأثيرها النفسي.
لماذا يلومونكِ؟ الأسباب الكامنة وراء الكلمات القاسية
الأشخاص الذين يقولون هذه العبارات ليسوا بالضرورة أشرارًا. غالبًا ما يكون لديهم أسباب نفسية، واجتماعية، وثقافية تدفعهم إلى ذلك.
- الجهل بطبيعة العلاقات السامة: الكثير من الناس لا يملكون الوعي الكافي بطبيعة العلاقات النرجسية. إنهم يرون العلاقة من الخارج فقط، ويركزون على الماديات والمظاهر. بالنسبة لهم، إذا كان الزوج يوفر المال والبيت، فالعلاقة مثالية.
- الخوف من الطلاق والانفصال: في مجتمعاتنا، لا يزال الطلاق يُنظر إليه بوصمة عار. الأهل والأصدقاء قد يخشون من أن يؤدي دعمهم لكِ إلى الطلاق، فيحاولون إقناعكِ بالبقاء في العلاقة، حتى لو كانت مؤذية.
- الاسقاط النفسي: بعض الأشخاص الذين يلومونكِ قد يكونون هم أنفسهم يعيشون في علاقات سامة، ولكنهم غير قادرين على مواجهة حقيقتهم. إنهم يسقطون مشكلتهم عليكِ، ويحاولون تبرير استسلامهم بضرورة استسلامكِ.
- المقارنة السطحية: كثير من الناس يقارنون حياتهم بحياتكِ من الخارج. قد يرون أن لديكِ شيئًا لا يملكونه، ويقولون: “هناك من لا يملك ما لديكِ، فلماذا تشتكين؟”
فن الرد بهدوء وحكمة: حماية نفسكِ دون خسارة الآخرين
ليس من الضروري أن تردي بشكل عدواني على هذه العبارات. يمكنكِ أن تحمي نفسكِ بهدوء وحكمة.
- ردود هادئة ومختصرة: عندما تسمعين عبارات مستفزة، لا تدخلي في جدال طويل. ردي بعبارات هادئة ومختصرة.
- وضع حدود للنقاش: إذا أصر الشخص على الجدال، حاولي إغلاق النقاش بعبارة مثل: “هذا أمر خاص بي، وأنا الوحيدة التي أعرف ما أمر به”.
- لا تبرري: لا تشرحي موقفكِ أو تحاولي إقناع الآخرين بأنكِ محقة. مشاعركِ وقراراتكِ لا تحتاج إلى موافقة من أحد.
- الانسحاب بهدوء: إذا كان الشخص مصرًا على إيذائكِ بكلماته، فانسحبي من المناقشة بهدوء.
بناء حصنكِ النفسي: حماية ذاتكِ من التأثير
المشكلة ليست في الجمل التي تسمعينها، بل في تأثيرها النفسي عليكِ. للنجاة، يجب أن تبني حصنًا نفسيًا يمنع هذه الكلمات من أن تؤذيكِ.
- قوي ثقتكِ بنفسكِ: تذكري دائمًا أنكِ أكثر من يعرف ما تمر به. لا تدعي كلام أحد يجعلكِ تشكين في نفسكِ.
- التفريغ الوجداني: عندما تتأثرين بكلام الناس، اكتبي مشاعركِ. هذا التفريغ يساعدكِ على فصل مشاعركِ الحقيقية عن تأثير كلامهم.
- بناء شبكة دعم إيجابية: أحطي نفسكِ بأشخاص يفهمونكِ ويدعمونكِ. وجود أشخاص إيجابيين في حياتكِ سيقلل من تأثير الناس السلبيين.
- تطوير الذات: ركزي على نفسكِ. اتعلمي شيئًا جديدًا، وحدثي مهاراتكِ. هذا سيجعلكِ أقوى وقادرة على مواجهة أي ضغط خارجي.
في الختام، إن كنتِ تعيشين في علاقة مع شخص نرجسي وتسمعين كلامًا مستفزًا، تذكري أنكِ لستِ وحدكِ. لا تفقدي الثقة في نفسكِ، وواصلي طريقكِ نحو تحسين حياتكِ.
لقراءة مقالاتنا الاسبوعية
