عندما يصل الحال بشخص ما إلى التطاول الجسدي، فإن الأمر يتجاوز حدود الغضب العادي. إن هذا السلوك ليس مجرد نتيجة لعدم التعاطف أو لنوبات الغضب النرجسية التي غالبًا ما تُوصف، بل هو نتاج أسباب نفسية عميقة، وسلوكية، وثقافية، تجتمع معًا لتبرر للنرجسي أفعاله. إن النرجسي لا يضربك لأنه يكرهك فحسب، بل يضربك لأنه يرى في هذا الفعل وسيلة لتحقيق السيطرة، والعقاب، وتأكيد تفوقه المزعوم.
في هذا المقال، سنغوص في سبعة أسباب نفسية وعلمية وراء تطاول الشخصيات النرجسية عليك باليد، وسنكشف عن التداخلات المعقدة بين الاضطرابات النفسية، والسلوكيات السلبية، والتصورات الخاطئة عن القوة، وكيف أن هذه العوامل تمنح النرجسي الإذن الصامت لارتكاب أفعاله.
1. تداخل الاضطرابات النفسية: القوة التي لا يعرفها النرجسي
هناك اعتقاد خاطئ بأن الشخص الذي يعاني من اضطراب نفسي واحد، مثل اضطراب الشخصية النرجسية، لا يمكن أن يعاني من اضطرابات أخرى. ولكن الحقيقة هي أن العديد من الأشخاص لديهم تشخيصات نفسية متعددة. قد يكون الشخص النرجسي مصابًا باضطراب آخر، مثل اضطراب الشخصية الحدية، أو الاكتئاب، أو القلق، أو الوسواس القهري، أو حتى الإدمان على المواد المخدرة.
عندما يتداخل اضطراب الشخصية النرجسية مع اضطرابات أخرى، فإن السلوك قد يصبح أكثر خطورة. على سبيل المثال، الشخص الذي يعاني من النرجسية والإدمان قد يفقد السيطرة على نفسه بشكل أسرع، مما يجعله أكثر عرضة لاستخدام العنف الجسدي. هذه الاضطرابات لا تبرر العنف، ولكنها تساعدنا على فهم أن النرجسي ليس لديه دائمًا القدرة على التعامل مع المواقف الضاغطة بطريقة ناضجة. هو يفتقر إلى النضج العاطفي الكافي، مما يدفعه إلى استخدام العنف كوسيلة للتعبير عن غضبه وإحباطه.
2. قبول الإساءة اللفظية: التسامح الذي يفتح الباب
النرجسيون هم أساتذة في اختبار الحدود. إنهم لا يحترمون الحدود، بل يتلاعبون بها لمعرفة إلى أي مدى يمكنهم الذهاب. تبدأ السلسلة غالبًا بالإساءة اللفظية. قد يوجه النرجسي كلمة قاسية، أو يهينك، أو يرفع صوته. إذا لم تواجه هذا السلوك في بدايته، فإن النرجسي يرى ذلك كضوء أخضر لمواصلة تجاوز الحدود.
على سبيل المثال، إذا قال لك: “لا تتكلم معي بهذه الطريقة”، ثم فعل ذلك مرة أخرى، وتوقفت عن الكلام، فإنك تمنحه الإذن الصامت لمواصلة هذا السلوك. هذا التسامح مع الإساءة اللفظية يمنح النرجسي مساحة للتوسع، ويجعله يعتقد أنه يمكنه أن يفعل المزيد دون عواقب. سلسلة العنف تبدأ عادة بالكلمات، وإذا لم يتم إيقافها هناك، فإنها تتصاعد لتصل إلى العنف الجسدي. إن رفضك للإساءة اللفظية منذ البداية هو خط الدفاع الأول عن نفسك.
3. مفهوم الرجولة المشوه: القوة الزائفة التي تبرر العنف
هناك اعتقاد خاطئ في بعض الثقافات أو العائلات بأن الرجل “الحمش” هو الرجل الذي يسيطر، ويرفع صوته، ويستخدم يده. هذا المفهوم المشوه للرجولة يمنح النرجسي تبريرًا اجتماعيًا لارتكاب العنف. إن الفتاة التي تنشأ في بيئة ترى أن العنف هو جزء من الرجولة قد تتقبل هذا السلوك، بل وتجده جذابًا.
هذا المفهوم الخاطئ ينبع من تدني احترام الذات. فالشخص الذي يؤمن بأن العنف هو دليل على الرجولة غالبًا ما يكون شخصًا يرى نفسه ضعيفًا، ويعتقد أنه بحاجة إلى شخص أعلى منه ليسيطر عليه. هذا السلوك لا علاقة له بالحب أو الاحترام، بل هو انعكاس لبيئة غير صحية. إن الرجولة الحقيقية هي القوة التي تحمي، وليس القوة التي تضرب.
4. انعدام الثبات الموضوعي: الخلط بين الشخص والسلوك
النرجسي يفتقر إلى ما يُعرف بـ “الثبات الموضوعي”. هذا يعني أنه لا يستطيع أن يفصل بين الشخص وسلوكه. إذا قمت بعمل سيئ، فإنه يرى أنك أنت الشخص السيئ، وليس أنك ارتكبت سلوكًا سيئًا. هذا يجعله غير قادر على التسامح أو النسيان.
عندما يحدث شجار بينك وبينه، فإنه لا يرى أنكما شخصان يمران بلحظة صعبة. بل يرى أنك عدوه، وأنك تستحق العقاب. هذا الشعور يجعل من السهل عليه أن يتطاول جسديًا، لأنه لا يرى أي رابط عاطفي إيجابي بينكما. إن الأفعال التي تقوم بها، حتى لو كانت رائعة، تُنسى عندما ترتكب خطأ. هذا يجعله غير قادر على السيطرة على غضبه، لأنه لا يرى أنك شخص يستحق الحماية.
5. التاريخ الشخصي: بصمة السلوك التي لا تتغير
التاريخ الشخصي للنرجسي هو بصمة لا يمكن محوها. إذا كان النرجسي قد استخدم العنف في علاقة سابقة، فإن هذا السلوك قد يتكرر في علاقتك. لا توجد قاعدة تقول إنه إذا فعل ذلك مع شخص ما، فإنه لن يفعله معك.
إن هذا السلوك ليس مجرد صدفة، بل هو جزء من شخصيته. إن بصمته الشخصية في التعامل مع المواقف الصعبة هي بصمة العنف. إنه لا يملك طريقة أخرى للتعبير عن غضبه. وهذا يجعل من المهم جدًا أن تنظر إلى تاريخ النرجسي. إذا كان لديه تاريخ من العنف، فعليك أن تعلم أن هذا السلوك قد يتكرر، وأنك لن تكون استثناء.
6. الموافقة الثقافية على الأذى الجسدي: الدين كغطاء
في بعض العائلات والثقافات، يتم تبرير العنف الجسدي من خلال تفسيرات خاطئة للدين. قد يقولون لك: “الرجل يضرب أهل بيته للتأديب”، ويستندون إلى آيات قرآنية تم تفسيرها بشكل خاطئ.
ولكن هذا التفسير لا علاقة له بالدين الحقيقي. الدين هو الرحمة والمودة. الله سبحانه وتعالى وصف العلاقة بين الزوجين بأنها “مودة ورحمة”. كيف يمكن لإله رحيم أن يوصي بالعنف؟ النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: “استوصوا بالنساء خيرًا”. كيف يمكن لنبي الرحمة أن يوصي بالعنف؟ هذا التفسير الخاطئ للدين يمنح النرجسي غطاءً دينيًا لارتكاب العنف، ويجعلك تشعر بالذنب إذا قاومت.
7. غياب جهاد النفس: الرجل الذي يفقد السيطرة على نفسه
أقوى أنواع الجهاد هو جهاد النفس. إنه القدرة على السيطرة على الغضب، والشهوات، والسلوكيات السلبية. النرجسي يفتقر إلى هذه القدرة. إنه يرى في جهاد النفس ضعفًا، وليس قوة.
عندما يستفزه شخص ما، فإنه لا يفكر في عواقب أفعاله. إنه يطلق العنان لغضبه دون سيطرة. هذا السلوك لا علاقة له بالقوة، بل هو علامة على ضعف الشخصية، وعدم القدرة على السيطرة على الذات.
في الختام، إن هذه الأسباب النفسية والعلمية هي التي تؤدي إلى تطاول الرجل النرجسي على المرأة. ولكن هذا الفهم ليس تبريرًا، بل هو دليل على أنك لست السبب. إن هذا السلوك ليس خطأك، بل هو نتيجة لاضطرابات عميقة في شخصية النرجسي. إن أول خطوة في النجاة هي أن تدافع عن حقك، وأن تضع حدودًا، وأن تطلب المساعدة. لا تظلمي نفسك، فالله قد كرمك.
